شرق الفرات يشتعل مجددًا… اتهامات متبادلة بين قسد والنظام رغم اتفاق التهدئة

شرق الفرات يشتعل مجددًا… اتهامات متبادلة بين قسد والنظام رغم اتفاق التهدئة

شرق الفرات يشتعل مجددًا… اتهامات متبادلة بين قسد والنظام رغم اتفاق التهدئة
قوات سوريا الديمقراطية

في الوقت الذي ظنّ فيه كثيرون أن اتفاق وقف التصعيد الذي أُعلن الجمعة في ريف الرقة الجنوبي الشرقي قد يفتح نافذة لتهدئة مؤقتة في الساحة السورية المزدحمة بالصراعات، عاد التوتر ليطفو إلى السطح سريعًا مع تبادل الاتهامات بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فبعد ساعات فقط على إعلان الهدوء، تحدثت "قسد" عن تعرض مواقعها العسكرية في ريف دير الزور الشرقي لهجمات وصفتها بـ"المنظمة" و"المتعمدة"، متهمة مجموعات مرتبطة بالحكومة السورية بمحاولة تقويض الاستقرار وإعادة إشعال المواجهات، يأتي ذلك في منطقة شديدة الحساسية، تتداخل فيها خطوط النفوذ، وتتجاذبها أطراف محلية وإقليمية ودولية، ما يجعل أي حادثة مهما بدت محدودة قابلة للتحوّل إلى دائرة تصعيد أكبر، ومع استمرار تبادل الاتهامات، يتزايد القلق من انهيار التفاهم الأخير، خصوصًا في ظل تاريخ طويل من الاشتباكات والتوترات المتقطعة بين الطرفين، وغياب رؤية واضحة لمسار سياسي أو أمني مستدام في شرق البلاد.

سلسلة تصعيدية


عادت التوترات الأمنية بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري إلى واجهة المشهد شرق البلاد، بعدما أعلنت "قسد" مساء السبت أن عددًا من مواقعها العسكرية في بلدة أبو حمام بريف دير الزور الشرقي قد تعرضت لقصف مباشر، ووصفت القوات في بيانها الهجمات بأنها "اعتداء جديد" يدخل ضمن "سلسلة تصعيدية" تهدف بحسب وصفها إلى خلق حالة من الفوضى في مناطق سيطرتها. وأكدت أنها ردّت على مصادر النيران "وفق قواعد الاشتباك" المعمول بها في المنطقة.


وأشارت "قسد" إلى أن المجموعات المهاجمة لم تكتف بالقصف التقليدي، بل لجأت إلى استخدام المسيّرات الهجومية والانتحارية، وهي أدوات باتت تُستخدم بشكل متزايد في النزاعات المحلية داخل سوريا خلال العامين الأخيرين. وأوضحت أن استخدام هذا النوع من الأسلحة يفاقم المخاطر على المدنيين، لاسيما أن القصف وفق روايتها طال منازل في محيط نقاطها العسكرية.


ورغم أن طبيعة الحوادث الميدانية في شرق الفرات غالباً ما تبقى رهينة روايات متضاربة، إلا أن الهجمات الأخيرة تأتي في توقيت حساس، لا سيما بعد يوم واحد فقط من التوصل إلى تفاهم بين الطرفين لوقف إطلاق النار في ريف الرقة الجنوبي الشرقي. هذا الاتفاق الذي رعته وزارة الدفاع السورية وبتنسيق مع التحالف الدولي بحسب مصادر محلية كان يستهدف تجميد الاشتباكات التي اندلعت خلال الأسبوع الماضي في محيط معدان، حيث شهدت المنطقة مواجهات هي الأعنف منذ أشهر.

خلافات ميدانية وسياسية


ووفق مصادر مطلعة، فإن التصعيد الأخير جاء بعد سلسلة عمليات تسلل وقصف متبادل، أسفرت عن قتلى وجرحى من الطرفين.

وتذكر المصادر أن الجيش السوري تمكن من استعادة نقاط قال: إن مقاتلي"قسد" تسللوا إليها ليلة الأربعاء، ما أدى إلى مقتل عنصرين من قواته وإصابة تسعة آخرين، وتتهم تلك المصادر وحدات من "قسد" بارتكاب تجاوزات بحق الجيش السوري، الأمر الذي زاد من حدّة التوتر وساهم في تأجيج الموقف.


وخلال الاجتماع الذي عقد الجمعة بين ممثلين عن الطرفين، طالبت "قسد" بانسحاب الجيش السوري من المواقع التي استعاد السيطرة عليها خلال المواجهات الأخيرة، إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض، ما كشف بوضوح عن عمق الخلافات الميدانية والسياسية بين الجانبين، وتشير المعلومات إلى أن التحالف الدولي لعب دورًا في الدفع نحو التهدئة، مذكّرًا الطرفين باتفاق 10 مارس الذي نصّ على وقف عمليات الاستهداف المتبادل في المناطق المشتركة.

موجات جديدة من العنف


الواقع على الأرض يشير إلى أن شرق سوريا لا يزال ساحة مفتوحة للتجاذبات، فـ"قسد"، التي تسيطر على أغلب ريف الرقة الجنوبي الغربي بموجب تفاهمات سابقة مع الحكومة السورية بعد انهيار النظام السابق هناك في ديسمبر من العام الماضي، تجد نفسها اليوم أمام تحديات متعددة: من جهة تحاول تثبيت حضورها العسكري والإداري، ومن جهة أخرى تواجه ضغوطًا متصاعدة من دمشق التي تسعى لإعادة بسط نفوذها في مناطق خرجت عن سيطرتها لسنوات طويلة.


كما أن تعقيدات المشهد لا تتوقف عند حدود الطرفين المحليين؛ فالمنطقة تشهد تداخلًا واضحًا في المصالح الدولية، خصوصًا مع الوجود العسكري للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي يتعامل بحذر مع أي توتر قد يؤثر على عمليات مكافحة تنظيم داعش أو على التوازن الأمني الذي يسعى للحفاظ عليه شرق الفرات.


ومع أن اتفاق الجمعة كان يُفترض أن يمهّد لمرحلة من الهدوء النسبي في ريف الرقة، إلا أن التطورات الأخيرة تبدو وكأنها تقوّض الأساس الذي بُني عليه الاتفاق، فالقصف المتبادل وتبادل الاتهامات وإعادة انتشار القوات في بعض النقاط الحساسة، كلها مؤشرات على هشاشة التفاهم الحالي.


ويرى مراقبون أن هذه الهشاشة قد تفتح الباب أمام موجات جديدة من العنف ما لم يتم التوصل إلى صيغة واضحة تضمن تجميد خطوط التماس ومنع استخدام الأسلحة الثقيلة أو المسيّرات في الاقتتال المحلي.

من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسى السوري، عبدالرحمن ربوع: تبدو إمكانية تثبيت اتفاق طويل الأمد معقدة للغاية؛ لغياب الثقة المتبادلة بين الطرفين، ولوجود حسابات سياسية تتجاوز حدود الميدان، فـ"قسد" تخشى من أي تمدد مفاجئ لقوات النظام نحو مناطقها، بينما تعتبر دمشق أن السماح لـ"قسد" بالتمدد أو الاحتفاظ بنقاط عسكرية حساسة يمثل تهديدًا لوحدة أراضي البلاد ولنفوذها التقليدي في الشرق.


وأضاف - في حديثه لـ"العرب مباشر" - أن بين هذه الحسابات المتشابكة، يبقى المدنيون هم الحلقة الأكثر هشاشة، إذ إن أي تصعيد جديد قد يهدد استقرار بلدات وقرى تعتمد على هدوء هش لاستمرار حياتها اليومية، مضيفًا، لذلك، تتزايد الدعوات من الأهالي ومن أطراف محلية لضرورة تثبيت وقف إطلاق النار وتحييد المناطق السكنية عن أيّة مواجهة.