العدالة والتنمية يغازل الأمازيغ.. مناورة انتخابية أم ارتداد تكتيكي؟
العدالة والتنمية يغازل الأمازيغ.. مناورة انتخابية أم ارتداد تكتيكي؟

في خطوة اعتبرها مراقبون ضربًا من المناورة السياسية، خرج عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي الذراع السياسي لجماعة الاخوان الارهابية في المغرب، بتصريحات مفاجئة حول الهوية الأمازيغية، محاولًا رسم صورة جديدة له ولحزبه، تناقض سنوات من التنكر للثقافة الأمازيغية والاستهانة برموزها.
التصريحات التي صدرت عن بنكيران خلال اجتماع الأمانة العامة للحزب، جاءت بالتزامن مع تصاعد التوتر في غزة، لكنه اختار في سياق حديثه أن يعرّج على الهوية الأمازيغية، قائلًا: "أنا أعتز بأنني أنتمي إلى شعب أصله أمازيغي، لعل الدماء الأمازيغية تجري في عروقي".
تصريح لا يبدو بريئًا في توقيته ولا محتواه، خاصة أنه يأتي من زعيم سياسي لطالما هاجم النشطاء الأمازيغ، وتبنى خلال فترة حكمه مقاربة تهميشية لكل ما يتعلق بهذه الهوية، من ترسيم اللغة إلى إدماج الثقافة الأمازيغية في المنظومة التربوية والإعلامية.
ازدواجية الخطاب.. واللعب بورقة الهوية
حزب العدالة والتنمية، المعروف بكونه الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين في المغرب، لا يبدو أنه غير قناعاته الفكرية أو أيديولوجيته، بل يُعيد ترتيب أوراقه استعدادًا للاستحقاقات المقبلة.
إدراج اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية في اللافتات والوثائق التنظيمية الخاصة بمؤتمره التاسع، ليس سوى محاولة للتقرب من جمهور ظل مهمشًا من قِبَله لعقود.
الحزب الذي حكم المغرب لعهدتين، لم يقدم خلال سنوات حكمه ما يظهر احترامًا فعليًا للثقافة الأمازيغية، على العكس، اصطدم مرارًا مع المطالب الثقافية واللغوية لمكونات واسعة من الشعب المغربي، واختار الانحياز لرؤية إقصائية تنطلق من مرجعية إخوانية معادية للتعدد والانفتاح الثقافي.
خطاب إخواني موجه.. واستثمار انتخابي مفضوح
اللافت أن هذه التحولات "اللغوية" تأتي في ظرف سياسي خاص، حيث يحاول الحزب استعادة موقعه بعد سلسلة من الهزائم الانتخابية والانشقاقات الداخلية، ويقرأ مراقبون التحول الأخير في سياق توظيف الهوية الأمازيغية كورقة انتخابية لا أكثر، مستغلًا بعدها العاطفي في وجدان الناخب المغربي.
نشطاء أمازيغ عبروا عن رفضهم لما وصفوه بـ"السطو الرمزي" على الثقافة الأمازيغية، مشيرين أن بنكيران لو كان صادقًا في انتمائه، لظهر ذلك خلال فترة توليه رئاسة الحكومة، من خلال سياسات ملموسة تنصف الأمازيغ، لا تصريحات موسمية متأخرة.
أحد النشطاء علق ساخرًا: "إذا كانت الدماء الأمازيغية تجري في عروق بنكيران فعلًا، فمتى نراها في مواقفه؟ في مناهج التعليم؟ في ميزانية الثقافة؟ أم فقط في لافتات مؤتمرات حزبه؟".
الإخوان والتوظيف السياسي للثقافات
لا يعد هذا الموقف غريبًا على تنظيم الإخوان، الذي لطالما استخدم الخطاب الديني والهوياتي كأداة لتكريس النفوذ السياسي، دون أي التزام حقيقي بقيم التنوع أو المواطنة.
من مصر إلى تونس والمغرب، تنكشف مرارًا قدرة الجماعة على تبني خطاب براغماتي يخدم مصالحها، حتى لو اقتضى الأمر التنازل عن مواقف "مقدسة" أو خطابات متشددة تبنتها لعقود.
في هذا السياق، يتعامل العدالة والتنمية مع الأمازيغية كما تعامل مع قضايا أخرى، ليس باعتبارها مكونًا حضاريًا يجب احترامه، بل كورقة توضع على الطاولة حين تقترب صناديق الاقتراع.
ويؤكد الباحث السياسي في شؤون الجماعات الارهابية سامح عيد، إن تصريحات بنكيران الأخيرة لا يمكن قراءتها إلا في سياق محاولات حزب العدالة والتنمية لملء الفراغ السياسي الذي يعاني منه بعد تراجعه الانتخابي، والحديث المفاجئ عن الأمازيغية ليس قناعة، بل استثمار ظرفي يحاول استمالة فئات ظلت مهمّشة من خطاب الحزب لعقود.
ويضيف، عيد في تصريحات خاصة للعرب مباشر، أن العدالة والتنمية، كامتداد سياسي للفكر الإخواني، لا يؤمن بالتعدد الهوياتي كمنظومة قيم، بل يتعامل معه كأداة تفاوض وانتخاب، الخطورة ليست فقط في التناقض، بل في محاولة احتواء مكون ثقافي أصيل وتوجيهه في مسارات حزبية ضيقة.