من النزوح إلى العطش.. سكان غزة يواجهون مأساة جديدة

من النزوح إلى العطش.. سكان غزة يواجهون مأساة جديدة

من النزوح إلى العطش.. سكان غزة يواجهون مأساة جديدة
حرب غزة

بعد شهور من النزوح القسري، عاد كثير من أهالي غزة إلى مناطقهم المدمرة، ليجدوا أنفسهم أمام أزمة جديدة لا تقل قسوة عن التهجير نفسه: غياب المياه.

في الأحياء المدمرة شمالًا وجنوبًا، حيث لم يبقَ حجر فوق حجر، باتت المياه موردًا نادرًا، يُطلب بالساعات ويُقتصد في استخدامه حتى آخر قطرة.

مئات العائلات تقف يوميًا في طوابير طويلة أمام شاحنات المياه، بينما يسير آخرون لمسافات شاقة على أمل العثور على نقطة مياه نظيفة. ومع استمرار الدمار الواسع للبنية التحتية، وتوقف معظم شبكات الإمداد، تبدو الأزمة مرشحة للتفاقم، في ظل غياب حلول عاجلة تنقذ سكان القطاع من كارثة العطش.  

رحلة البحث عن الماء


في أحد الأحياء الشمالية لقطاع غزة، يقف إبراهيم ناصر أمام صنبور مياه عام جفّت قطراته منذ أيام. منذ عودته إلى منزله المدمر جزئيًا، باتت مهمة العثور على الماء معركة يومية، يتنقل خلالها بين مناطق مختلفة، حاملًا أوعية فارغة على أمل ملئها. 

يقول إبراهيم أحيانًا أقطع أربعة كيلومترات فقط للحصول على دلو صغير من الماء لا يكفي للشرب فقط فما بالكم بالاستخدام الطبيعي للمياه، مضيفًا لـ"العرب مباشر"، أن العودة إلى بيته بعد التهجير كان أملًا، لكن غياب المياه يجعله يفكر في المغادرة مجددًا فأماكن النزوح متوفر بها الماء نوعًا ما رغم قلت الكميات إلا أننا نعثر عليه.

في الجنوب، لم تكن حال نور الحداد، وهي أم لثلاثة أطفال، بعد أسابيع من النزوح والمعاناة في الشوارع، قررت العودة إلى رفح، لكنها فوجئت بأن الحصول على الماء أصبح أصعب من أي وقت مضى، فالماء أصبح عنصرًا شديد الندرة بالفعل.

تقول الحداد لـ"العرب مباشر"، وهي تحمل عبوة ماء لا تكاد تكفي لعائلتها ليوم واحد، حتى الشاحنات التي تأتي بالمياه لا تكفي الجميع: نقف ساعات طويلة وأحيانًا نعود بلا شيء.  

بنية تحتية مدمرة بالكامل 


تسببت الحرب الأخيرة في تدمير شبه كامل لشبكات المياه الرئيسية في القطاع، لا سيما في المناطق التي كانت مسرحًا للعمليات العسكرية.

من جانبه، كشف رئيس بلدية رفح، أحمد الصوفي، عن الدمار الكامل الذي طال مصادر المياه في المدينة، مشيرًا إلى تفجير الجيش الإسرائيلي للخزان الرئيسي غرب رفح قبل أشهر.

وأوضح لـ"العرب مباشر"، أن الجهات المختصة تواجه صعوبات كبيرة في توفير المياه للسكان العائدين، مضيفًا أن المدينة ما تزال تعاني من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، رغم وقف إطلاق النار، ما يعيق جهود الطواقم الفنية في تنفيذ مهامها.

وأضاف: أن البلدية وضعت خطة بديلة لتوفير المياه عبر دعم أصحاب الآبار الخاصة بالوقود لتشغيل المولدات، مقابل إتاحة المياه للسكان، إلا أن هذا الإجراء، وفقًا له، يعد حلاً مؤقتًا ومرهقًا للجميع.  

أما مياه الشرب، فأشار الصوفي إلى توفرها حاليًا عبر محطات تحلية أُنشئت خلال الحرب بدعم عربي ودولي، لكنه شدد على الحاجة الماسة لإنشاء محطات تحلية داخل المدينة، نظرًا لوجود جميع المحطات الحالية خارجها.  

واختتم حديثه بوصف رفح بأنها "مدينة منكوبة" لا يشملها اتفاق وقف إطلاق النار، إذ لا يزال 60% من مساحتها تحت السيطرة الإسرائيلية، مع دمار شبه كامل في بنيتها التحتية.

معاناة في الطوابير  


في أحد مراكز توزيع المياه وسط غزة، تصطف عشرات العائلات في طابور طويل، تحمل عبوات بلاستيكية وأواني طعام أملاً في الحصول على القليل من الماء. 

يقول وسام حمودة، الذي ينتظر مع أطفاله تحت الشمس الحارقة، ننتظر ساعات، وأحيانًا لا نحصل إلا على لترات قليلة لا تكفي ليوم واحد، مضيفًا، ومع ندرة المياه، يلجأ العديد منا إلى تقنين الاستهلاك لأقصى درجة، ونستخدم المياه ذاتها لأغراض متعددة قبل أن تنفد تمامًا.  

من جهتها، حذرت جهات صحية من أن استمرار أزمة المياه، إلى جانب تعطل شبكات الصرف الصحي، قد يؤدي إلى انتشار أمراض خطيرة، خاصة مع احتمال تلوث المياه الجوفية. 

رغم المناشدات المستمرة، لم تنجح الجهود الدولية حتى الآن في إيجاد حلول مستدامة لأزمة المياه في غزة. 

المساعدات التي تصل تكون محدودة وغير كافية، فيما تواصل إسرائيل فرض قيود على إدخال المعدات اللازمة لإعادة بناء شبكات المياه.