انسحاب دولي تدريجي.. هل يشعل فتيل الفوضى من جديد في ليبيا؟
انسحاب دولي تدريجي.. هل يشعل فتيل الفوضى من جديد في ليبيا؟

في الوقت الذي تغلي فيه الشوارع الليبية بالاحتجاجات وتتصاعد حدة التوتر الأمني، يبدو أن اهتمام المجتمع الدولي بالملف الليبي آخذ في التراجع، هذا التراجع لا يعكس فقط فتورًا دبلوماسيًا، بل يكشف أيضًا عن تحول أولويات العواصم الغربية نحو ملفات إقليمية ودولية أكثر إلحاحًا، على حساب أزمة لم تجد طريقها إلى الحل منذ سنوات.
الملف الليبي، الذي كان يحتل موقعًا متقدمًا على أجندة القوى الكبرى، بات اليوم في مرتبة متأخرة، وسط انقسامات دولية في الرؤى وغياب إرادة واضحة لدفع العملية السياسية إلى الأمام، ورغم أن هذا الانسحاب قد يفسر على أنه تخفيف للضغوط الخارجية، إلا أن نتائجه على الداخل الليبي قد تكون أكثر خطورة مما يُتصور.
احتجاجات وغضب شعبي
غرب ليبيا، وخاصة طرابلس، يشهد حراكًا شعبيًا متناميًا يطالب بإقالة حكومة عبد الحميد الدبيبة وحل الميليشيات المسلحة، مع الدعوة إلى تمكين المجلس الرئاسي من قيادة المرحلة الانتقالية وتنظيم انتخابات عامة.
المطالب جاءت في أعقاب موجة من الاشتباكات المسلحة بين ميليشيات محلية، تفجرت إثر اغتيال شخصية أمنية بارزة؛ ما أدى إلى حالة من الفوضى وذعر بين المدنيين.
كما أن الاشتباكات التي استمرت لعدة أيام، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، فضلًا عن نزوح عدد كبير من السكان؛ مما أعاد إلى الأذهان مشاهد العنف التي كانت قد خفت حدتها لفترة وجيزة.
يحمل المتظاهرون حكومة الدبيبة مسؤولية هذا التدهور، متهمين إياها باستخدام الميليشيات كأداة لتثبيت سلطتها.
انقسام داخلي ومبادرات عاجزة
ورغم تعدد المبادرات المطروحة لحل الأزمة السياسية، من قبل بعثة الأمم المتحدة والمجلس الرئاسي ومجلس النواب، إلا أن أيًا منها لم ينجح حتى الآن في تجاوز الانقسامات العميقة بين الأطراف الليبية.
غياب الثقة وتضارب المصالح بين الفصائل المختلفة يجعل من الصعب التوصل إلى توافق حقيقي، وهو ما يعمق من حالة الجمود السياسي ويطيل أمد الأزمة.
ويرى مراقبون، أن جوهر المشكلة لا يكمن في شكل المبادرات المطروحة، بقدر ما يكمن في الانقسام الحاد بين الفرقاء الليبيين، وغياب الإرادة السياسية لتقديم تنازلات متبادلة تُمكّن من الوصول إلى حل مستدام.
البعض يرى أن فتور الاهتمام الدولي قد يقلل من خطر تدخلات منحازة تعزز طرفًا على حساب آخر، وهو ما قد يُسهم في الحد من العنف المسلح.
نتائج طبيعية لتراكمات سنوات من التدخلات الخارجية
ويقول الباحث السياسي الليبي فرج فركاش: إن ما يحدث في ليبيا اليوم هو نتيجة طبيعية لتراكمات سنوات من التدخلات الخارجية والتسويات الهشة التي لم تُبنَّ على أسس وطنية صلبة، والانسحاب الدولي من المشهد الليبي لا يعني بالضرورة حيادًا إيجابيًا، بل قد يفسر على أنه تخلٍ عن مسؤولية كانت المجتمعات الغربية طرفًا أصيلًا فيها منذ بداية الأزمة.
ويضيف فركاش -في تصريحات خاصة لـ العرب مباشر-، أن الاحتجاجات الأخيرة تؤكد أن الشارع الليبي لم يعد يثق في الطبقة السياسية الحالية، وأن هناك حاجة ملحة لإعادة تشكيل المشهد وفق آليات جديدة أكثر تمثيلًا للشعب.