ترامب وإيران بين صفقة نووية جديدة وشروط قديمة

ترامب وإيران بين صفقة نووية جديدة وشروط قديمة

ترامب وإيران بين صفقة نووية جديدة وشروط قديمة
ترامب

بين جدران البيت الأبيض وممرات وزارة الخارجية الإيرانية، ينبض توتر قديم بثوب جديد، فبعد انسحابه الضاجّ من الاتفاق النووي عام 2018، ها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، العائد للبيت الأبيض، يطرق أبواب طهران مرة أخرى، حاملاً نبرة تصالحية لكنها مشروطة، هذه المرة، لا يملك ترامب رفاهية الرفض، ولا طهران تبدو مستعدة لتقديم تنازلات مجانية، في المشهد الخلفي، تظهر إسرائيل بتوجّسها المعتاد، تدق طبول الحذر وربما الحرب، بينما تنقسم الإدارة الأميركية بين دعاة التسوية ودعاة المواجهة، التقارب المحتمل ليس مجرد جولة دبلوماسية، بل خطوة سياسية مشروطة بحسابات انتخابية، ومواقف أيديولوجية، وتوازنات إقليمية دقيقة، وبينما تستمر العواصم الكبرى في تنسيق المواقف والضغط عبر قنوات خلفية، يظل السؤال الأهم معلقًا في الهواء، هل يمكن إعادة كتابة الاتفاق دون إعادة تفجير الصراع؟ أم أن الصفقة المرتقبة ليست سوى محاولة لتأجيل لحظة الانفجار الحتمي؟

*من وراء ستار*


بعد سنوات من المواجهة الدبلوماسية والعسكرية الباردة، تعود واشنطن وطهران إلى الطاولة مجددًا، ولو من وراء ستار، لمناقشة اتفاق نووي جديد. المفارقة أن هذا الاتفاق، وإن اتخذ شكلاً مختلفًا، يبدو في جوهره امتدادًا لاتفاق 2015 الذي طالما هاجمه ترامب واعتبره "أسوأ اتفاق في التاريخ".

لكن المشهد اليوم أكثر تعقيدًا، فإدارة ترامب الثانية تشهد صراعًا داخليًا حادًا بين تيارين متضادين، الأول، بقيادة ماركو روبيو ومايك والتز، يتبنى نهجًا صقوريًا يرى أن التفاوض مع إيران مضيعة للوقت، وأن العمل العسكري هو الحل الوحيد لردع طهران. 

أما الثاني، فيمثله جي دي فانس وبيت هيغسيث، ويدعو لتسوية تحفظ ماء الوجه، وتحقّق مكاسب سياسية لترامب دون خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط.

اللافت أن طهران تدخل المفاوضات هذه المرة من موقع أكثر قوة. 
فبعد التغيرات الإقليمية العاصفة -من التطبيع العربي مع إسرائيل، إلى الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والتوتر المستمر في مضيق هرمز - باتت طهران تدرك أن وقتها السياسي مناسب للضغط وتحقيق مكاسب.

إيران تطالب بضمانات واضحة تضمن عدم انسحاب واشنطن مجددًا، وترفض أي مساس ببرنامجها الصاروخي أو دعمها الإقليمي لحلفائها في اليمن ولبنان وسوريا.

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي صرّح بوضوح أن بلاده لن تسمح بتحويل المفاوضات إلى "عرض علاقات عامة"، مؤكدًا أن السيادة الإيرانية خط أحمر لا مساومة فيه.

في المقابل، تبدي الإدارة الأميركية مرونة في مسائل تخصيب اليورانيوم ضمن السقف المتفق عليه سابقًا (3.67%)، لكنها تصرّ على وجود آلية رقابة صارمة وهنا يظهر خلاف آخر هل تكون الرقابة دولية عبر وكالة الطاقة الذرية، أم أميركية مباشرة كما تطالب إسرائيل؟

*إسرائيل ترفع شعار العنف هو الحل*


تل أبيب، من جهتها، لا تنظر إلى هذه المفاوضات بعين الرضا، بل إنها تعتبرها "خديعة استراتيجية" قد تسمح لطهران بتطوير برنامجها النووي تحت غطاء شرعي. بحسب الباحث الإسرائيلي إيلي نيسان، فإن إسرائيل تتابع التطورات من كثب، وهي مستعدة للتحرك العسكري بشكل منفرد إذا شعرت أن أمنها مهدد، وإن كانت تفضل التنسيق مع واشنطن.

القلق الإسرائيلي لا ينبع فقط من بنود الاتفاق، بل من التوقيت أيضًا، فترامب، الطامح للعودة إلى واجهة المسرح العالمي، يرى في إنجاز صفقة نووية فرصة ذهبية لاستعادة الزخم الانتخابي، وربما الترشح لجائزة نوبل للسلام - حلم لم يخفه يومًا، لكن في السياسة الدولية، الأحلام وحدها لا تكفي.

في هذه الأثناء، تشير تسريبات أن قوات الجو الإسرائيلية تكثف تدريباتها العسكرية على سيناريوهات ضرب منشآت نووية في إيران، بينما تجري مشاورات أمنية ثلاثية بين واشنطن وتل أبيب والرياض، في محاولة لإيجاد صيغة توازن تحفظ أمن الخليج وتردع طهران.

رغم كل ذلك، ما تزال المفاوضات مستمرة في قنوات سرية، وربما يشهد مؤتمر روما المقبل أول لقاء غير مباشر بين مبعوثي الطرفين. 

وبينما تتحرك الساعات النووية نحو منتصف الليل، يزداد الضغط على الأطراف جميعًا لإيجاد اتفاق لا يبدو أحد مستعدًا لدفع ثمنه بالكامل.