التقارب السوداني الإيراني.. تداعيات جيوسياسية على المنطقة

التقارب السوداني الإيراني.. تداعيات جيوسياسية على المنطقة

التقارب السوداني الإيراني.. تداعيات جيوسياسية على المنطقة
السودان وإيران

في ظل التطورات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، يبرز التقارب الأخير بين السودان وإيران كواحد من أبرز الملفات التي تُعيد تشكيل توازن القوى في المنطقة، هذا التحالف، الذي يأتي بعد سنوات من القطيعة، يُثير تساؤلات حول تداعياته على الأمن القومي للدول المجاورة، وعلى المصالح الإستراتيجية للقوى الدولية الفاعلة في المنطقة، بينما تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في البحر الأحمر، يُعتبر السودان بوابة إفريقية مهمة لتحقيق هذا الهدف، لكن، كيف سيؤثر هذا التقارب على دول المنطقة؟ وما هي التحديات التي قد يواجهها هذا التحالف في ظل التنافس الدولي والإقليمي المحتدم؟

*العلاقات السودانية الإيرانية*


شهدت العلاقات بين السودان وإيران تقلبات كبيرة على مدار العقود الماضية، فبعد سنوات من التحالف القوي في عهد الرئيس عمر البشير، قطعت السودان علاقاتها مع إيران في عام 2016.

ومع ذلك، يبدو أن التغيرات السياسية الداخلية في السودان، خاصة بعد الإطاحة بالبشير، قد فتحت الباب أمام إعادة تقييم العلاقات مع إيران.

هذا التقارب الجديد يُعتبر جزءًا من استراتيجية إيرانية أوسع لتعزيز نفوذها في المناطق الإستراتيجية، خاصة في ظل التنافس مع السعودية والإمارات.

*الأهداف الإيرانية من التقارب*


يقول د. محمد محسن، المتخصص في الشأن الإيراني،: إن طهران تسعى من خلال هذا التقارب مع السودان إلى تعزيز وجودها الإستراتيجي في منطقة البحر الأحمر، الذي يُعتبر أحد أهم الممرات المائية في العالم من الناحية التجارية والعسكرية.

وأوضح محسن في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن البحر الأحمر يُمثل شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، حيث يمر عبره ما يقرب من 10% من حجم التجارة العالمية، بما في ذلك النفط والسلع الأساسية.

 وبالتالي، فإن تعزيز النفوذ الإيراني في هذه المنطقة يُعد جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى توسيع دائرة تأثير طهران في المناطق الحيوية.

وأضاف محسن: أن السودان يُعتبر بوابة إفريقية مهمة لإيران، حيث يمكنها من خلاله تعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي مثل إريتريا والصومال، وهي دول ذات موقع إستراتيجي يُطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي. وأشار أن إيران قد تستغل هذا التقارب لبناء تحالفات إقليمية تعزز من قدراتها العسكرية والسياسية، خاصة في ظل التنافس المحتدم مع السعودية والإمارات على النفوذ في المنطقة. 

كما أن السودان، بموقعه الجغرافي وثرواته الطبيعية، يُمكن أن يكون شريكًا اقتصاديًا مهمًا لإيران، خاصة في ظل العقوبات الدولية التي تُعاني منها طهران.

وأكد محسن، أن هذا التحالف يُمكن أن يوفر لإيران موطئ قدم في منطقة غنية بالموارد الطبيعية، مثل الذهب والمعادن النادرة، والتي تُعتبر عناصر أساسية لتعزيز القدرات الاقتصادية الإيرانية.

 بالإضافة إلى ذلك، فإن السودان يُعتبر سوقًا واعدًا للصناعات الإيرانية، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، ومع ذلك، حذر محسن من أن هذا التقارب قد يواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل الضغوط الدولية والإقليمية التي قد تُحاول عزل السودان عن إيران؛ مما قد يُعيق تحقيق الأهداف المشتركة للطرفين.

*التحديات التي تواجه التحالف*


يقول محسن: إن التقارب السوداني الإيراني يواجه العديد من التحديات، أولاً، الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة، قد تُعيق تطور هذه العلاقات.

وأضاف الخبير في الشؤون الإيرانية، أن التنافس الإقليمي بين إيران ودول الخليج قد يؤدي إلى عزل السودان سياسيًا واقتصاديًا، مضيفًا كذلك التحديات الداخلية في السودان، خاصة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، قد تُضعف من قدرة الحكومة السودانية على المضي قدمًا في هذا التحالف.

وتابع، يُعيد التقارب السوداني الإيراني رسم خريطة القوى في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. فمن ناحية، قد يؤدي هذا التحالف إلى تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، مما يُقلل من هيمنة السعودية والإمارات.

ومن ناحية أخرى، قد يُعجل هذا التقارب من تشكيل تحالفات مضادة، خاصة بين دول الخليج ومصر، مما قد يؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة. 

في النهاية، يُعتبر هذا التحالف مؤشرًا على التغيرات الجيوسياسية الكبرى التي تشهدها المنطقة، والتي قد تُعيد تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية في السنوات القادمة.